كتب المقال جيسون بيرك، موضحًا أن الفاشر أصبحت فصلًا جديدًا في المأساة السودانية، بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة عقب حصار دام 18 شهرًا حاصر عشرات الآلاف من المدنيين في دارفور. وبذلك أحكمت هذه القوات سيطرتها على جميع المراكز الحضرية الكبرى في الإقليم، ما يثير احتمال تقسيم السودان إلى مناطق نفوذ متصارعة.

ذكرت الجارديان أن قوات الدعم السريع أعلنت الأحد الماضي أنها "مدّت سيطرتها على مدينة الفاشر وانتزعتها من أيدي الميليشيات والمرتزقة"، بينما أقرّ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بانسحاب قواته إلى "موقع أكثر أمانًا"، معترفًا ضمنيًا بخسارة المدينة. وبعد ذلك مباشرة، تصاعدت التقارير عن قتل مئات المدنيين العزّل في هجمات ذات طابع عرقي، وعن مداهمات للمنازل بحثًا عن أشخاص بعينهم واحتجاز مدنيين مقابل فدية مالية، في مشهد يكرّر ممارسات الدعم السريع في مدن أخرى. وأكد "مختبر الأبحاث الإنسانية" في جامعة ييل أن مستوى العنف في الفاشر يعادل ما وقع خلال الساعات الأولى من الإبادة الجماعية في رواندا.

غياب الصحفيين الدوليين عن دارفور جعل الصورة تعتمد على مصادر محدودة. فوسائل الإعلام لم تتمكّن من التواصل مع سكان الفاشر، حيث قُطعت الاتصالات وفرضت تعتيمًا إعلاميًا صارمًا. ومع ذلك، كشفت مقاطع مصوّرة صوّرها عناصر من الدعم السريع أنفسهم عن مشاهد مروّعة: عشرات الرجال العزّل يُقتلون أو تُركت جثثهم على الأرض وسط مقاتلين يحتفلون، كما أظهرت صور أخرى نُشرت على وسائل التواصل جثثًا متناثرة وسيارات محترقة.

اعتمدت فرق حقوق الإنسان على تحليل صور الأقمار الصناعية وشهادات الناجين الفارين إلى مدينة طويلة القريبة. وأظهر تقرير صادر عن مختبر ييل أن الفاشر "تخضع لعملية تطهير عرقي ممنهجة تستهدف قبائل الفور والزغاوة والبرتي من المجتمعات غير العربية، من خلال التهجير القسري والإعدام الميداني". وأوضح التقرير أن صور الأقمار الصناعية رصدت ما يشبه "عمليات تفتيش من بيت إلى بيت" نفذها مقاتلو الدعم السريع، بالإضافة إلى "تجمّعات كبيرة" يُرجّح أنها لجثث بشرية، مع بقع حمراء على الأرض تشير إلى مشاهد عنف كثيف.

قوات الدعم السريع نشأت عام 2013 من بقايا ميليشيا الجنجويد التي استخدمها الرئيس السابق عمر البشير لقمع تمرّد قبلي في دارفور، في حملة خلّفت ما يصل إلى 300 ألف قتيل. وفي أبريل 2023، اندلعت الحرب الأهلية بين الدعم السريع والجيش إثر صراع على السلطة، وسرعان ما امتدّت إلى مختلف أنحاء البلاد. واتُّهم الطرفان بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين، بينها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأكدت الولايات المتحدة والأمم المتحدة ومنظمات أخرى أن الدعم السريع ارتكب أعمال إبادة واغتصاب جماعي بحق جماعات الماساليت والمجتمعات غير العربية في دارفور.

معاناة المدنيين بلغت ذروتها في معسكر زمزم للنازحين جنوب الفاشر، حيث أُعلن عن مجاعة في أغسطس من العام الماضي. وفي أبريل التالي، قتل مقاتلو الدعم السريع نحو ألفي شخص أثناء سيطرتهم على المعسكر الذي كان يأوي نصف مليون نازح.

أما المجتمع الدولي، فظل يتعامل مع الأزمة بتراخٍ رغم خطورتها. ففي وقت سابق من هذا العام، استضافت لندن مؤتمرًا جمع ممثلين عن 17 دولة والاتحادين الأوروبي والأفريقي لمناقشة الصراع. ورغم الوعود الجديدة بالمساعدات، وُجّهت انتقادات حادة بسبب مشاركة دول يُعتقد أنها منخرطة في النزاع، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة.

الحكومة العسكرية في السودان تتّهم الإمارات بإرسال أسلحة إلى الدعم السريع، بينما تنفي أبوظبي ذلك. غير أن تقريرًا مسرّبًا لخبراء الأمم المتحدة أشار في أبريل إلى "رحلات متعددة" لطائرات نقل انطلقت من الإمارات نحو قواعد في تشاد، متجنّبة الرادارات عمدًا، فيما تُستخدم هذه المسارات لتهريب السلاح إلى دارفور. ويعود ارتباط الإمارات بالدعم السريع إلى حرب اليمن عام 2015، حين استعانت أبوظبي بهذه القوات لتجنيد مقاتلين لصالح التحالف الذي تقوده هي والسعودية. كما تجذبها ثروات السودان المعدنية، خصوصًا الذهب الذي يتدفّق معظمه في السنوات الأخيرة إلى السوق الإماراتية.

الحرب في السودان تبدو اليوم أبعد ما تكون عن نهايتها، بعدما تحوّلت دارفور إلى ساحة سيطرة كاملة للدعم السريع. ومع الانقسام السياسي والعجز الإقليمي والدولي، يتّجه البلد نحو سيناريو تقسيم محتمل يعيد للأذهان مآسي الانفصال الأولى.

https://www.theguardian.com/world/2025/oct/31/sudan-civil-war-el-fasher-explained